المحاضرة :01 : النحو الوظيفي: مفهومه |
إن النحو الوظيفي شيء، و النحو غير الوظيفي (الصوري) شيء آخر، والفصل بينهما أساسي؛ لأن الخلط بينهما يؤدي إلى قياس تعميمي خاطئ، يجعل كل الأنحاء دون استثناء وظيفية. ولعل هذا القياس الخاطئ هو الذي قاد بعض الباحثين إلى اعتبار كل النحو العربي القديم نحوا وظيفيا([1]) و قاد بعضهم الآخر إلى إطلاق تسمية "النحو الوظيفي" على مؤلفاتهم وأبحاثهم النحوية، و هي في حقيقتها أنحاء صورية (تعليمية)، لا تحمل من الوظيفية سوى الاسم، نذكر من هذه المؤلفات على سبيل المثال لا الحصر:
· النحو الوظيفي، لعبد العليم إبراهيم.
· قواعد النحو الوظيفي، لنايف معروف.
ونتج عن هذا الخلط إعطاء مفاهيم خاطئة للنحو الوظيفي نمثل لها ببعض التعاريف منها:
"بأنه إكساب التلاميذ مهارات القواعد التي تساعدهم على إتقان المهارات الأربعة الاستماع، والتحدث، والقراءة، والكتابة وأن نتخير من النحو ما له صلة وثيقة بالأساليب ودلالتها على المعاني وما كان سهل الادراك والفهم بالنسبة للضبط والربط بالأساليب الجارية في كتابات الناس وقراءاتهم" .
"بأنه الذي جرد من فلسفة العامل والتخريجات التي لا جدوى منها، والتمس منه ما يعين على صحة الكلام والكتابة وسلامة الضبط" .
أنه "مجموعة القواعد التي تؤدي الوظيفة الأساسية للنحو هو ضبط الكلمات ونظام تأليف الجمل ليسلم اللسان من اللحن أثناء النطق، وليسلم القلم من الخطأ عند الكتابة" .
"أن نتخير من النحو الموضوعات الوثيقة الصلة بالأساليب التي تواجه التلميذ أو التي يستخدمها في الحياة العامة مما يساعده على صحة ضبط الجمل والعبارات وتأليفها تأليفا خاليا من الأخطاء" .
فكل التعاريف السابقة الذكر لا تمت إلى النحو الوظيفي بصلة وإنما هي نحو تعليمي أو نحو صوري لا غير، فالنحو الوظيفي يجب أن يتوفر فيه مبدآن أساسيان هما:
· اعتبار الوظيفة التبليغية (التواصلية) هي الوظيفة الأساسية للغة، و أنها تعكس إلى حد بعيد، الخصائص البنيوية للتراكيب اللغوية (صوتية، وصرفية، وتركيبية..)، في الجملة أو النص.
· لا يعد النموذج النحوي نموذجا وظيفيا، إلا إذا أفرد فيه مستوى خاصا للوظائف التداولية، باعتبارها خصائص تسهم في تحديد البنية التركيبية الصرفية للجملة أو النص([2]).
فالمبدآن يقومان على المبدإ الوظيفي العام، الذي ينطلق من اعتبار اللغة نظاما وظيفيا، يرمي إلى تمكين الإنسان من التعبير والتواصل، ودراستها ينبغي أن تراعي ذلك؛ أي أن كل ما يضطلع بدور، في التبليغ أو التواصل ينتمي إلى اللغة، وكل ما ليس له هذا الدور فهو خارج عنها([3])، وهذا ما يضطلع النحو الوظيفي بدراسته.
وبناء على الأساسين السابقين يكون لدينا نحوان؛ نحو وظيفي، ونحو غير وظيفي ويكون تعريف كل واحد منهما على النحو التالي:
- تعريف النحو الوظيفي : هو النحو الذي لا يقتصر على الدور الذي تلعبه الكلمات أو العبارات في الجملة، أي الوظائف التركيبية (أو النحوية: كالفاعل و المفعول..)؛ لأن هذه الوظائف لا تمثل إلا جزءا من كل، تتفاعل مع وظائف أخرى، مقامية (أو تبليغية: هي الوظائف الدلالية، والوظائف التداولية)، بحيث تترابط الخصائص البنيوية للعبارات اللغوية، بالأغراض التبليغية (التواصلية) التي تستعمل هذه العبارات وسيلة لبلوغها([4])
- النحو غير الوظيفي (الصوري التعليمي): يُكتفى في هذا النحو بتحديد أدوار أو وظائف بنية الجملة (الوظائف النحوية: كالفاعل و المفعول…)، كما هو الشأن مع النحو القديم الذي لا يُمثل فيه للوظائف الدلالية أو التداولية([5]).
وعلى ما سبق سيكون عرضنا مقتصرا على النظريات النحوية الوظيفية التي يتوفر فيها المبدآن، لقد انطلق التيار الوظيفي مع حلقة براغ في الثلاثينيات من القرن العشرين، و بدأ يشق طريقه مخترقا كل المراحل السالفة الذكر.
- المدرسة الوظيفية (حلقة براغ): قامت هذه المدرسة على المبادئ التي أرسى قواعدها سوسير، واعتنى أصحاب هذه المدرسة بالاتجاه الوظيفي الذي يهتم بكيفية استخدام اللغة بوصفها وسيلة اتصال وتبليغ يستخدمها الأفراد للتواصل فيما بينهم، أو في تحقيق التماسك والانسجام في المجتمع ككل، أو وظيفتها في تحقيق المتعة الفنية والجمال في الأدب، وبكلمة مختصرة فإن منهج الدراسة الوظيفية لمدرسة براغ، يقوم على أن اللساني يعتبر اللغة محركا أو آلة، عليه أن يبحث عن وظائفها التي تؤديها مختلفُ أجزائها أو مكوناتها العاملة، وكيف تؤثر طبيعة كل جزء على طبيعة وعمل الأجزاء الأخرى([6]).
- نظرية الوجهة الوظيفية للجملة: اهتمت هذه النظرية بالجملة ونظرت إليها من منظور نفسي مهتمة بمفهوم "الفاعل النفسي" وكان يتزعم هذه النظرية "ويل" اللغوي الألماني، ثم طور أفكاره مجموعة من الباحثين على رأسهم ماتزيوس وبلور أفكار "ويل" في نظرية "الوجهة الوظيفية للجملة" كأحد المفاهيم المتحكمة في ترتيب مكونات الجملة([7])، الذي اقترح تقسيما جديدا للجملة، يعتمد على معيار ربط الجملة بالسياق أو الموقف الكلامي، عوض التقسيم البنيوي الشكلي العام للجملة؛ فتعتمد نظرية الوجهة الوظيفية للجملة على ترتيب الكلمات؛ فيكون الترتيب العادي للكلمات في الجملة الخبرية، منطلقا من ذكر الموضوع أولا، ثم ذكر المحمول بعده (المحور)، ويسمى هذا الترتيب التسلسلي للكلمات ترتيبا موضوعيا، فهو المنظور أو الوجهة الوظيفية الموضوعية للجملة، إلا أنه قد تبرز ضرورة ذاتية انفعالية للمتكلم، تجعله يعكس الترتيب فيبدأ بالمحمول، ثم يضيف بعده الموضوع، ويسمى هذا القلب بالترتيب الذاتي، وهو المنظور أو الوجهة الوظيفية الذاتية، وهو ترتيب طبيعي في الجمل الاستفهامية و التعجبية([8]). وعليه تحلل الجملة في "نظرية الوجهة الوظيفية للجملة" وفق ثلاثة مستويات هي: الدلالي، والنحوي، والمستوى الوظيفي([9]).
- مدرسة لندن (نظرية النحو النسقي): اهتم علماء اللغة البريطانيين بالدراسة العلمية للأصوات اللغوية، يحدوهم دافع الحاجة الماسة إلى دراسة اللغات الشرقية والإفريقية المختلفة، التي أصبحت شعوبها تحت سيطرة الأمبراطورية البريطانية من جهة، وتسهيل تعليم ونشر اللغة الانجليزية في بلدان تلك الشعوب من جهة أخرى، ولتحقيق ذلك أنشئ في البداية أول قسم جامعي للصوتيات في جامعة لندن، وتوالت بعده إنشاء المدارس والمعاهد، لم يشهد الدرس اللساني في انجلترا التطور النوعي والمنهجي إلا على يد جون فيرث الذي طور نظرية سياق الحال، التي كان لها تأثير كبير على نظرية النحو النسقي، ويمكن حصر أفكار فيرث في مجالين كبيرين هما: مجال الأصوات، ومجال الدلالة([10]).
فقد ربط فيرث بين الدراسة الصوتية والوظيفة، واعتبار اللغة عبارة عن أحداث وأفعال كلامية واقعية وبالتالي فدراستها لا تكون بمعزل عن تلك الظروف والملابسات (السياق) التي أنتجت فيها.
ولم يتوقف نشاط مدرسة لندن عند حد الدراسة الصوتية والوظيفية بل تعداهما إلى الدراسة التركيبية وما يعرف بالنحو النسقي الذي يقوم على قواعد نظامية (مفاهيم) ثلاثة هي: مفهوم الوظيفة، مفهوم النسق، ومفهوم البنية([11]) حسب هاليداي.
- نظرية البركمانتاكس: "تندرج نظــرية البراكمانتاكس، في إطار النمــوذج التوليدي التحويلي المعروف باسم "الدلالة التوليدية" التي يقوم جهاز نحوها الواصف، على مبـدأين أساسيين: عدم استقــلال التركيب عن الدلالة، واعتبار البنية الدلالية بنية أصلية للاشتقــاق، بحيث يُمثل للخصائص المنطقية الدلالية والتركيبية في بنية تحتية واحدة، هي على التوالي:
بنية منطقية دلالية: تتكون من محمول (فعلي أو اسمي أو وصفي..)، يربط بين عدد معين من الموضوعات (موضوع أول، موضوع ثان..)، حيث تُعد المحمولات وحـدات معجمية مركبة، تجمع بين دلالة مدمِجة، ودلالة مدمَجة.
بنية سطحية: تتم بعد تطبيق القواعد التحويلية المناسبة سواء قبل الإدماج المعجمي أو بعده كقاعدة (تكوين الفاعل)
تأويل صوتي: الذي يتم بعد نقل البنية التحتية أو العميقة إلى بنية سطحية التي تؤول صوتيا([12]).
- نظرية التركيبيات الوظيفية: يعرف كونو صاحب هذه النظرية اللسانيات الوظيفية بأنها "مقاربة لتحليل البنية اللغوية، تعطي الأهمية للوظيفة التبليغية لعناصر هذه البنية، بالإضافة إلى علاقاتها البنيوية"([13])، ثم يحدد "التركيبيات الوظيفية" داخل إطارها، بأنها "أحد حقول اللسانيات الوظيفية، حيث تحلل البنيات التركيبية على أساس وظائفها "التبليغية" و لا يربط كونو "التركيبيات الوظيفية" بنحو معين من أنحاء نماذج النظرية التوليدية التحويلية؛ إذ يمكن أن تنطبق على كل نماذجه، (كنموذج نحو النظرية المعيار، أو المعيار الموسعة، أو النحو العلاقي، أو نحو الأحوال...)، لذا يجب في رأيه أن يخصص أو يفرد مستوى أو مستويات، للقيود الوظيفية الضابطة لسلامة الجملة أو السلاسل الجملية، بإضافة مكون خطابي مثلا إلى جانب المكون التركيبي، ترصد فيه القيود المرتبطة بوظيفة التواصل، كالمفاهيم التداولية الآتية:
المعلومة القديمة ، المعلومة الجديدة ، المحور ،البؤرة ([14])
- نظرية التركيب الوظيفي: هي نظرية نحـوية وظيفية، اقتـرحها في نهـاية السبعينـيات كل من فان فالين، وفولي، ويطلقان عليها أحيانا "نحو الأدوار والإحالة".
تنتج الجملة في هذه النظرية حسب بنيات ثلاث: بنية دلالية (أو أدوار دلالية)، وبنية تداولية (أو إحالية)، وبنية صرفية (أو تركيبية)، و تضطلع برصد هذه البنيات الثلاثة ثلاثة أنساق من القواعد، هي: القواعد الدلالية، والقواعد التداولية، والقواعد الصرفية التركيبية.
ويتم ذلك انطلاقا من المبدأ المنهجي الوظيفي العام، القاضي بأن الخصائص التركيبية الشكلية أو الصورية للعبارات اللغوية، هي منتوج التفاعل القائم بين أنساق القواعد الثلاثة السالفة الذكر؛ أي أن البنية اللغوية (عبارة، أو جملة، أو نصا) هي انعكاس للوظيفة التبليغية أو(التواصلية)، و هذا بخلاف نماذج الأنحاء التوليدية، التي تجعل المكون التركيبي مستقلا عن المكونين الآخرين (الدلالي، والتداولي) لإنتاج البنية الصرفية التركيبة([15]).
وفي الأخير يمكننا أن نقف على أن النظريات النحوية الوظيفية السابقة الذكر يمكن أن تصنف صنفين([16]):
صنف مؤسس بدءا تأسيسا وظيفيا، ويشمل: نظرية الوجهة الوظيفية، ونظرية النحو النسقي، ونظرية التركيب الوظيفي، ونظرية النحو الوظيفي.
وصنف مؤسس داخل إطار نماذج نظرية النحو التوليدي التحويلي، ويضم نظريتي البراكمانتاكس، ونظرية التركيبيات الوظيفية.
المحاضرة :02: النحو الوظيفي: النشأة والتطور
- الإطار التاريخي لنظرية النحو الوظيفي:
نشأت نظرية النحو الوظيفي مع مجموعة من الباحثين بجامعة امستردام يرأسهم الباحث اللساني سيمون ديك الهولندي، حيث قدّم الصياغة الأولية العامة للنحو الوظيفي سنة 1978م ، وأرسى أسس النحو الذي يقترحه ، وقدّم الخطاطة العامة لتنظيم مكوناته، ولهذه النظرية نماذج كثيرة متعاقبة وهي نظرية تستجيب لشروط التنظير و النمذجة ، وانتقلت هذه النظرية من مسقط رأسها بهولندا إلى أقطار أخرى كبلجيكا، وإسبانيا، وانجلترا
ودخلت العالم العربي عبر بوابة المملكة المغربية بجامعة محمد الخامس بالرباط، على يد الباحث أحمد المتوكل، لتنتقل إلى غيرها من الجامعات المغربية لترسم طريقا لها إلى بقية البلاد العربية كالجزائر وتونس وسوريا، والعراق...([17])
- موضوع نظرية النحو الوظيفي:
لم تقف النظرية عند وصف القدرة التواصلية ، وإنّما وسّعتها بالأخذ في عين الاعتبار طاقات ومعارف أخرى ، إضافة إلى الطاقة والمعرفة اللغوية (النحوية)([18])، وذلك من خلال نموذج مستعمِل اللغة الطبيعية , ومستعملو اللغة الطبيعية لا يتواصلون فيما بينهم إلا بخطابات ، ولهم قدرة تواصلية متكاملة أي مجموعة من الملكات , وهي الملكات المعرفية ، واللغوية ، والإدراكية ، والمنطقية والاجتماعية... ولا تصل النظرية حدّ التكامل والكفاءة الشاملة إلا إذا رُصدت هذه الملكات كلَّها ولم تقف عند حدود الملكة اللغوية وحدَها.
فالملكة اللغوية هي التي تمكّن مستعمل اللغة من إنتاج عدد لا متناه من الجمل في مقامات تواصلية متعددة لمعرفته بلغته معجما وصوتا وصرفا وتركيبا، وهي دائمة الحضور في عملية التواصل اللغوي أما غيرها من الملكات فيلجأ إليها عند الحاجة.
كالملكة الاجتماعية فهي التي تمكّن مستعمل اللغة من ضبط وضع مخاطبه الاجتماعي ، وما يقوم بينهما من علاقات أثناء التواصل.
أما الملكة المنطقية فهي التي تمكّن مستعمل اللغة من اشتقاق معارف إضافية من معارف متوفرة لديه بواسطة قواعد الاستدلال.
أما الملكة الإدراكية فهي التي تمكّن مستعمل اللغة من استخدام المعارف التي يستقيها من مواقف التواصل ذاته في إنتاج العبارات والجمل اللغوية، وفي فهمها.
أما الملكة المعرفية فهي التي تمكّن مستعمل اللغة من تكوين مخزون منظم من المعارف اللغوية وغير اللغوية، واستخدامها في إنتاج وتفسير وفهم المزيد من العبارات والجمل اللغوية.([19])
- الأسس المنهجية لنظرية النحو الوظيفي:
حاولت نظرية النحو الوظيفي تجميع مبادئ النظريات الوظيفية والتي تتعلق بوظيفة اللسان الطبيعي، وعلاقة الوظيفة بالبنية، ومفهوم القدرة اللغوية، ومفهوم الكليات اللغوية ، وعلاقة الوظيفة بموضوع الوصف اللغوي ، وعلاقة الوظيفة بالمفاضلة بين الأنحاء ([20]) وربطها بمفهوم الكفاءة التفسيرية وهذه الأخيرة تجمع ثلاث كفاءات مترابطة ومتكاملة هي: الكفاءة التداولية ، والكفاءة النفسية والكفاءة النمطية .
الكفاءة التداولية:
يقول سيمون ديك معرّفا هذه الكفاءة : " على النحو الوظيفي أن يستكشف خصائص العبارات اللغوية المرتبطة بكيفية استعمال هذه العبارات ، وأن يتم هذا الاستكشاف في إطار علاقة هذه الخصائص بالقواعد والمبادئ التي تحكم التواصل اللغوي , يعني هذا أنه يجب ألاّ نتعامل مع العبارات اللغوية على أساس أنها موضوعات منعزلة ، بل على أساس أنها وسائل يستخدمها المتكلم لإبلاغ معنى معيّن في إطار سياق تحدده العبارات السابقة ، وموقف تحدده الوسائط الأساسية لموقف التخاطب" ([21])
يؤخذ من التعريف أن خصائص العبارات اللغوية تتحكم فيها عوامل أخرى من الخارج , وهي مبادئ تحكم التواصل اللغوي ، وبالتالي فإن العملية التواصلية لا تقتضي معرفة لغوية فحسب بل تقتضي معارف أخرى عامة وآنية تخص الموقف الذي تتم فيه عملية التواصل، ومن هنا فإن إنتاج اللغة وفهمها يتمان في إطار تداولي (حوار، سرد...) .
الكفاءة النفسية:
يعرّفها سيمون ديك بقوله: " تنقسم النماذج النفسية بطبيعة الحال إلى نماذج إنتاج ، ونماذج فهم تُحدد نماذج الإنتاج : كيف يبنى المتكلم العبارات اللغوية وينطقها، في حين تُحدد نماذج الفهم كيفية تحليل المخاطب للعبارات اللغوية وتأويلها ، وعلى النحو الوظيفي الذي يروم الوصول إلى الكفاءة النفسية أن يعكس بطريقة أو بأخرى ثنائية : الإنتاج/الفهم هذه"([22])
يشير ديك في هذا التعريف إلى العملية النفسية التي يقوم بها الذهن في إنتاج الخطاب أو فهمه أثناء القيام بالعملية التواصلية، وعليه فإن نماذج النحو الوظيفي صيغت على أساس أن إنتاج الخطاب ينطلق من القصد إلى النطق مرورا بالصياغة.
الكفاءة النمطية:
يعرّف ديك هذه الكفاية بقوله: "يزعم المنظرون للسان الطبيعي أن بإمكانهم حصر الاهتمام في لغة واحدة، أو في عدد من اللغات فيما يقارب التنميطيون اللغة مقاربة محايدة نظريا تعتمد منهجا استقرائيا شبه تام.
إن الدراسة التنميطية لا تكون ذات نفع إلا إذا أطرتها مجموعة من الفرضيات النظرية ولا تكون النظرية اللسانية في المقابل ذات جدوى ، إلا إذا كشفت عن مبادئ وقواعد ذات انطباقية واسعة النطاق"([23])
من خلال التعريف يتضح أن ديك ينتقد التنميطيين السابقين في اتجاهيهما ويرى بأن تنميط اللغات يجب أن يندرج في إطار نظري ينطبق على أكبر قدر ممكن من اللغات المتواجدة والممكنة ومن هنا فإن النحو الوظيفي لتحقيق هذه الكفاءة وضع ضابطين هما:
· ربط تنميط اللغات بالكليات اللغوية.
· السعي في إحراز أكبر قدر ممكن من التجريد في صوغ المبادئ والقواعد.
المحاضرة 03:بذور النحو الوظيفي في التراث العربي
إن أهم الدراسات التي فيها ارهاصات أولى للنحو الوظيفي في التراث العربي هي الدراسات المعجمية والدراسات الموجودة في كتب النحو والبلاغة وأصول الفقه والتفسير،فقد فاضت كتب النحو والبلاغة خاصة بأسس تتطابف مع أسس نظرية النحو الوظيفي لأنها جعلت تركيزها عاى عملية التواصل بين المتكلمين. ويتضح ذلك ذلك عند
فهذا ابن جني (392 هـ) مثلا يعرف اللغة بقوله : أما حدها فأصوات يعبر بها كل قوم عن أغراضهم
كما أشار الجرجاني(471هـ) الى الوظيفة الاساسية للغة هي التواصل بين المتكلم و السامع : " الدلالة على شيء هي لا محالة إعلامك السامع إياه، وليس بدليل ما أنت لا تعلم به مدلولاً عليه، وإذا كان كذلك وكان مما يعلم ببداءة المعقول أن الناس إنما يكلم بعضهم بعضاً ليعرف السامع غرض المتكلم ومقصوده، فينبغي أن ينظر إلى مقصود المخبر من خبره وماهو؟ أهو أن يعلم السامع وجود المخبِر به من المخبَر عنه؟ أم أن يعلمه إثبات المعنى المخبِر به للمخبَر عنه" . وهذا ما ذهب الى المتوكل عندما أقر أن العلماء القدامى كانوا يرون بأن المتكلمين لا يتواصلون بالكلمات أو الجمل بل بالنصوص.
زيادة على أنهم اهتموا بفكرة المقام الأساسية في علم البلاغة وهي نفسها موجودة في نظرية النحو الوظيفي إذ الذي يحدد معاني الجمل والكلمات هو المقام الذي قيلت فيه.
كما قدموا جملة من الظواهر التداولية التي تعد صلب نظرية النحو الوظيفي مثل : التقديم والتأخير. الحذف. الذكر. الفصل والوصل. وغيرها إذ يقول سيبويه في قضية التقديم والتأخير والقصد " "فإن قدمت المفعول وأخرت الفاعل جرى اللفظ كما جرى فى الأول ، وذلك قولك : ضرب زيدا عبدالله ؛ لأنك إنما أردت به مؤخرا ما أردت به مقدما ، ولم ترد أن تشغل الفعل بأول منه وإن كان مؤخرا فى اللفظ؛ فمن ثم كان حدّ اللفظ أن يكون فيه مقدما، وهو عربى جيد كثير، كأنهم يقدمون الذى بيانه أهم لهم وهم ببيانه أغنى وإن كانا جميعا يهمانهم ويعنيانهم "
فهنا التقديم والتأخير جاء لمعنى مخصوص .
المحاضرة :04/05 : مبادئ نظرية النحو الوظيفي
يعتمد نموذج النحو الوظيفي على مبادئ منهجية عامة وثابتة لا يحيد عنها، تتمثل في:
وظيفة اللغات الطبيعية: للغة وظيفة أساسية تتمثل في التواصل بين المتعاملين بها، وظل هذا المبدأ شعارا يرفعه أعلام المدرسة الوظيفية في الألسنية الحديثة ، إلى أن جاء سيمون ديك الذي عدّ كل لغة طبيعيةً هي نظام يحتوي على خصائص بنيوية، هدفها الأساسي تحقيق عملية التواصل بين المتكلمين بها.
وصف القدرة التواصلية: واعتمادا على ذلك فكل لساني يريد الدراسة عليه أن يصف القدرة التواصلية بين طرفي العملية التواصلية (المتكلم والمخاطب) ، وهذا المبدأ أعاد به سيمون ديك ثنائية تشومسكي (القدرة/الإنجاز).
النظر إلى التركيب والدلالة من وجهة تداولية: التداولية علم ظهر مؤخرا في حقل الدراسات اللسانية، ومن خلاله يطمح النحو الوظيفي إلى تحقيق الكفاءة في الاستعمال التداولي ، وبالتالي تحقيق الكفاءة التداولية.
السعي إلى تحقيق الكفاءات:
حيث يسعى النحو الوظيفي إلى تحقيق الكفاءات النفسية والتداولية والنمطية.
المحاضرة :06:الفروق بين الاتجاه البنوي والاتجاه الوظيفي
تستخدم اللسانيات الحديثة المنهج العلمي في دراسة اللغة؛ حيث إنها تنظر إلى اللغة نظرة وصفية تعتمد على الملاحظة المباشرة للظاهرة اللغوية الموجودة بالفعل، "ولا تهدف إلى وضع قواعد تفرضها على المتكلمين باللغة"([24])
إن اللسانيات الحديثة خلال القرن العشرين مرت بثلاث مراحل كبرى، كان لها الأثر الكبير على المسار العام للسانيات اللغوية خصوصا وتمثلت هذه المراحل في:
مرحلة البنيوية تزعمها فيردينان دي سوسير.
مرحلة التوليدية التحويلية تزعمها نوام تشومسكي.
مرحلة التبليغية تزعامها هيمس.
- مرحلـة البنيوية: في أوائل القرن العشرين تركزت الدراسات اللغوية في أوروبا على مباحث اللسانيات لإبراز مجموعة من القواعد اللغوية العامة مستنبطة من تحليلات علمية استهدفت مكونات اللغة([25])، فركزت أبحاثها على تقطيع دوال العلامات اللغوية (الكلمات أو الجمل)، وتفتيتها إلى عناصرها الأساسية، باحثة عن العلاقات المُنَظِّمة لها والقوانين الداخلية المتحكمة فيها، وبالتالي ابتعدت عما له علاقة بالمدلولات، وكل ما له علاقة بالمرجع؛ لأن العناصر والعلاقات التي ترجع إليها تستعصي على الضبط والتقنين([26]).
وقد تأثر بهذا المنهج السوسيري لغويون كبار أمثال تروبيسكوي رئيس نادي حلقة براغ، وهلمسليف الدانمركي رئيس نادي كوبنهاقن، ومارتيني زعيم البنيويين الوظيفيين في فرنسا، ومثله في أمريكا كل من بلومفيلد، وهاريس.
والجامع لكل من انضوى تحت راية البنيوية هو هذا التوجه العلمي الصارم الذي أحدث قطيعة تامة مع الدراسات اللغوية التاريخية والمقارنة، وأسس لمنهج علمي لساني يماثل مناهج العلوم الطبيعية.
- مرحلـة التوليدية التحويلية: جاءت هذه المرحلة كردة فعل على المرحلة السابقة أي البنيوية التي اكتفت بوصف الظاهرة اللغوية دون أن تقدم لها تفسيرا، وسبب الاختلاف هو اختلاف وجهات النظر إلى طبيعة اللغة، وارتبطت هذه المرحلة بالمنهج التوليدي التحويـلي الذي ساد الدراسات اللغوية في نهاية الخمسينيات، وخاصة منذ أواسط الستينيات، فقد تتميز هذه المرحلة بمنهجها العقلي الذي وجه الدراسة اللغوية وجهة جديدة بقيادة نوام تشومسكي.
إن منهج تشومسكي الجديد يصف ويفسر ويعلل ما ظل معروفا بالقدرة اللغوية للمتكلم/السامع، وهي قدرة لا تمكنه من إنتاج مدونة لغوية محدودة فحسب، بل تمكنه من إنتاج وفهم ما لا نهاية من الجمل الصحيحة([27])، على اعتبار أن النحو التوليدي يسعى إلى وصف سليقة المتكلم السامع المثالي اللغوية أي مقدرته الضمنية على إنتاج وفهم عدد غير محدود من الجمل، وعليه يكون النحو التوليدي نظاما من القواعد التي تتكرر باطراد لتوليد عدد هائل وغير متناه من البنيات([28])، وتقوم هذه القواعد على ثلاثة أجزاء تمثل المكونات الأساسية للنحو التوليدي:
المكون التركيبي.
المكون الفنولوجي.
المكون الدلالي([29]).
وبهذا المنهج الجديد رسم تشومسكي اتجاها جديدا للدراسة اللغوية، سار فيه أتباعه أمثـال: كاتز، وفدور، ولايكوف، ومكاولي، وبوستال ، وفيلـمور، و كـونو، وصادوك،... وغيرهم ممن أنتجوا نماذج نحوية في إطار المنهج التوليدي التحويلي بصفة عامة والدلالة التوليدية بصفة خاصة. إن هؤلاء وغيرهم ممن طور نظرية تشومسكي أدخلوا عنصر الدلالة كمكون أولي أي ضمن البنية العميقة، وبذلك فتحوا الباب على مصراعيه للدلالة، ليس بتكثيف البحوث في مجال الدلالة فحسب، بل بتناولهم مدلول العلامة اللغوية أو ما أسموه بالبنية الدلالية (كلمة كانت أم جملة..)؛ حيث شرحوها وحللوها إلى عناصر سيمية لا تقبل التجزئة، مكتشفين وظائفها وعلاقاتها المنظمة لها، في محاولة علمية جادة لتقنينها تقنينا رياضيا دقيقا، بعد أن كانت مستعصية على التقنين في المرحلة السابقة.
- مرحلـة التداولـيـة التبليغية:وهي المرحلة اللسانية الثالثة التي دشنها عالم الأجناس الأميركي دال هيمس بشنه هجوما عنيفا على التصور التجريدي الذي انحصر فيه البحث اللساني، سواء مع رائد اللسانيات الحديثة دي سوسير الذي حصر موضوع تنظيره في اللغة دون الكلام، أو صاحب النظرية التوليدية التحويلية تشومسكي الذي قصر موضوع تنظيره على القدرة اللغوية دون الكلام أو التأدية، مما جعل اللسانيات تتحول إلى علم صوري مجرد مغلق ذي إجراءات داخلية خالصة يؤمن بكيانية العبارة اللغوية في مستواها البنيوي الصوري المجرد، مقصيا أحوال التخاطب والمقامات المختلفة التي ينجز فيها([30]).
فقد نهج هيمس وعلماء الاجتماع من بعده اتجاها جديدا للدراسات اللغوية، يقوم على ما أصبح معروفا اليوم بالقدرة التبليغية عوض القدرة اللغوية لتشومسكي التي أضحت أحد مكونات القدرة التبليغية للمتكلم/السامع([31]).
فالنظرية اللغوية عند هؤلاء لا تنحصر فقط في وصف اللغة ككيان مستقل بذاته، بعيدا عن المواقف الاجتماعية والحياتية التي تستخدم فيها وذلك لأنها ليست أنماطا وصيغا وتراكيب مقصودة لذاتها، وإنما هي موجودة للتعبير عن الوظائف المختلفة: كالطلب والترجي والأمر والنهي و الدعاء،..وغير ذلك من آلاف الوظائف اللغوية، فالدراسة في هذه المرحلة تقوم على مفاهيم جديدة وهي الفعل الكلامي، والقصدية، والاستلزام التخاطبي([32]).
وبهذا الانتقاد المشهور لهـيمس أعيد الاعتبار للنظريات السياقية، حيث دخلت مجال اللسانيات بقوة كنظريات؛ أفعال اللغة./ نظريات التداول والملفوظية. / النظريات الوظيفية، وخاصة نظرية النحو الوظيفي لسيمون ديك.
وما يجمع هذه النظريات والدراسات هو تركيزها على مرجع العلامة اللغوية، أو المكون التداولي للكلمة أو الجملة أو النص، الذي أصبح مضبوطا بوظائف تداولية محددة، ترتبط بسياقات، وطبقات مقامية، وبشبكة من العلائق المختلفة، كالعلائق الاجتماعية المنظمة لمقاصد المتخاطبين، والعلاقات المنطقية التي تضبط محاوراتهم.
والخلاصة هي أن هذه الدراسات سعت، وما تزال، لوضع مبادئ عامة تضبط وتقنن بها كل ماله علاقة بالسياق، وقد نجحت فعلا في غزو النماذج التوليدية الأخيرة؛ حيث أدرج المكون التداولي في الجهاز الواصف لأنحائها.
إن المراحل التي مرت بها اللسانيات عبر التاريخ المعاصر والتي تولدت عنها مدارس لسانية حاولت دراسة اللغة كظاهرة اجتماعية دراسة علمية، لم تتعد أن تكون واصفة للغات الطبيعية (المستعملة)، معاينة الوقائع بعيدة عن النزعة التعليمية والأحكام المعيارية.
المحاضرة :07: القدرة اللغوية والقدرة التواصلية :
لم تقف النظرية عند وصف القدرة التواصلية، وإنما وسّتعها بالأخذ في عين الاعتبار طاقات ومعارف أخرى، إضافة إلى الطاقة والمعرفة اللغوية (النحوية)([33])، وذلك من خلال نموذج مستعمِل اللغة الطبيعية؛ ومستعملو اللغة الطبيعية لا يتواصلون فيما بينهم إلا بخطابات، ولهم قدرة تواصلية متكاملة أي مجموعة من الملكات؛ وهي الملكات المعرفية، واللغوية، والإدراكية، والمنطقية، والاجتماعية... ولا تصل النظرية حدّ التكامل والكفاءة الشاملة إلا إذا رُصدت هذه الملكات كلَّها، ولم تقف عند حدود الملكة اللغوية وحدَها.
فالملكة اللغوية هي التي تمكّن مستعمل اللغة من إنتاج عدد لا متناه من الجمل في مقامات تواصلية متعددة لمعرفته بلغته معجما وصوتا وصرفا وتركيبا، وهي دائمة الحضور في عملية التواصل اللغوي، أما غيرها من الملكات فيلجأ إليها عند الحاجة.
كالملكة الاجتماعية فهي التي تمكّن مستعمل اللغة من ضبط وضع مخاطبه الاجتماعي، وما يقوم بينهما من علاقات أثناء التواصل.
أما الملكة المنطقية فهي التي تمكّن مستعمل اللغة من اشتقاق معارف إضافية من معارف متوفرة لديه بواسطة قواعد الاستدلال.
أما الملكة الإدراكية فهي التي تمكّن مستعمل اللغة من استخدام المعارف التي يستقيها من مواقف التواصل ذاته في إنتاج العبارات والجمل اللغوية، وفي فهمها.
أما الملكة المعرفية فهي التي تمكّن مستعمل اللغة من تكوين مخزون منظم من المعارف اللغوية وغير اللغوية، واستخدامها في إنتاج وتفسير وفهم المزيد من العبارات والجمل اللغوية.([34])
- الأسس المنهجية لنظرية النحو الوظيفي:
حاولت نظرية النحو الوظيفي تجميع مبادئ النظريات الوظيفية والتي تتعلق بوظيفة اللسان الطبيعي، وعلاقة الوظيفة بالبنية، ومفهوم القدرة اللغوية، ومفهوم الكليات اللغوية، وعلاقة الوظيفة بموضوع الوصف اللغوي، وعلاقة الوظيفة بالمفاضلة بين الأنحاء وربطها بمفهوم الكفاءة التفسيرية؛ وهذه الأخيرة تجمع ثلاث كفاءات مترابطة ومتكاملة هي: الكفاءة التداولية، والكفاءة النفسية، والكفاءة النمطية.
الكفاءة التداولية: يقول سيمون ديك معرّفا هذه الكفاءة: "على النحو الوظيفي أن يستكشف خصائص العبارات اللغوية المرتبطة بكيفية استعمال هذه العبارات، وأن يتم هذا الاستكشاف في إطار علاقة هذه الخصائص بالقواعد والمبادئ التي تحكم التواصل اللغوي؛ يعني هذا أنه يجب ألاّ نتعامل مع العبارات اللغوية على أساس أنها موضوعات منعزلة، بل على أساس أنها وسائل يستخدمها المتكلم لإبلاغ معنى معيّن في إطار سياق تحدده العبارات السابقة، وموقف تحدده الوسائط الأساسية لموقف التخاطب"([35])
يؤخذ من التعريف أن خصائص العبارات اللغوية تتحكم فيها عوامل أخرى من الخارج؛ وهي مبادئ تحكم التواصل اللغوي، وبالتالي فإن العملية التواصلية لا تقتضي معرفة لغوية فحسب بل تقتضي معارف أخرى عامة وآنية تخص الموقف الذي تتم فيه عملية التواصل، ومن هنا فإن إنتاج اللغة وفهمها يتمان في إطار تداولي (حوار، سرد...).
الكفاءة النفسية: يعرّفها سيمون ديك بقوله: "تنقسم النماذج النفسية بطبيعة الحال إلى نماذج إنتاج، ونماذج فهم؛ تُحدد نماذج الإنتاج: كيف يبنى المتكلم العبارات اللغوية وينطقها، في حين تُحدد نماذج الفهم كيفية تحليل المخاطب للعبارات اللغوية وتأويلها، وعلى النحو الوظيفي الذي يروم الوصول إلى الكفاءة النفسية أن يعكس بطريقة أو بأخرى ثنائية الإنتاج/الفهم هذه"([36])
يشير ديك في هذا التعريف إلى العملية النفسية التي يقوم بها الذهن في إنتاج الخطاب أو فهمه أثناء القيام بالعملية التواصلية، وعليه فإن نماذج النحو الوظيفي صيغت على أساس أن إنتاج الخطاب ينطلق من القصد إلى النطق مرورا بالصياغة.
الكفاءة النمطية: يعرّف ديك هذه الكفاية بقوله: "يزعم المنظرون للسان الطبيعي أن بإمكانهم حصر الاهتمام في لغة واحدة، أو في عدد من اللغات فيما يقارب التنميطيون اللغة مقاربة محايدة نظريا تعتمد منهجا استقرائيا شبه تام.
· إن الدراسة التنميطية لا تكون ذات نفع إلا إذا أطرتها مجموعة من الفرضيات النظرية ولا تكون النظرية اللسانية في المقابل ذات جدوى، إلا إذا كشفت عن مبادئ وقواعد ذات انطباقية واسعة النطاق"([37])
· من خلال التعريف يتضح أن ديك ينتقد التنميطيين السابقين في اتجاهيهما ويرى بأن تنميط اللغات يجب أن يندرج في إطار نظري ينطبق على أكبر قدر ممكن من اللغات المتواجدة والممكنة، ومن هنا فإن النحو الوظيفي لتحقيق هذه الكفاءة وضع ضابطين هما:
· ربط تنميط اللغات بالكليات اللغوية.
· السعي في إحراز أكبر قدر ممكن من التجريد في صوغ المبادئ والقواعد.
- القدرة اللغوية :المقصود بالقدرة اللغوية هو القدرة على انشاء الجمل والعبارات صحيحة نحويا
-القدرة التواصلية : المقصود بالمقدرة التواصلية هو ربط قدرة المتكلم اللغوية بالسياقات التواصلية المقامية المختلفة،وقد عرفها ديل هايمس بأنها " قدرة الفرد على استعمال اللغة في سياق تواصلي لآداء أغراض تواصلية . وبذلك تكون القدرة اللغوية جزءا من القدرة التواصلية على اعتبار القدرة اللغوية استعمال اللغة معزولة عن السياق ،والاواصلية استعمال اللغة ضمن سياقات مختلفة.
المحاضرة :08 : نحو الجملة ونحو النص
ذكرنا سابقا أن النحو الوظيفي : هو ذلك النحو الذي لا يقتصر على الدور الذي تلعبه الكلمات أو العبارات في الجملة، أي الوظائف التركيبية (أو النحوية: كالفاعل و المفعول..)؛ لأن هذه الوظائف لا تمثل إلا جزءا من كل، تتفاعل مع وظائف أخرى، مقامية (أو تبليغية: هي الوظائف الدلالية، والوظائف التداولية)، بحيث تترابط الخصائص البنيوية للعبارات اللغوية، بالأغراض التبليغية (التواصلية) التي تستعمل هذه العبارات وسيلة لبلوغها([38])
· نحو الجملة : هو ذلك النحو الذي يختص بتتابع الكلمات داخل التركيب أو الجمل، وقد عرف العرب القدامى الجملة بأنها مايحسن السكوت عنده ،وقد التبس مفهوم الجملة مع مفهوم الكلام ( وقد أخذت هذا الموضوع مفصلا في لسانيات النص))
· نحو النص : يتقاطع نحو النص مع نحو الجملة والاختلاف الكبير بينهما هو في الحجم ،إذ إن نحو النص يتعامل مع النصوص كاملة زيادة على أن نحو النص يهتم بما يسمى البنية الخارجية لبناء النص ويرى أنها تساهم بشكل كبير في توجيه المعنى
المحاضرة 09: البنية في النحو الوظيفي (إنشاء الجملة)
تمر البنية في النحو الوظيفي بثلاث مراحل يضطلع في كل مرحلة منها ببناء بنية تمثّل لزمرة من الخصائص والمحطات الاشتقاقية، مرتبة على النحو الآتي: البنية الحملية، والبنية الوظيفية، والبنية المكوّنية.
أولا: البنية الحملية: وفيها تتمثل الخصائص الدلالية بتطبيق القواعد الأساس الذي يسميه أحمد المتوكل "الخزينة"، والمتكوّن من عنصرين: معجم، وقواعد تكوين المحمولات والحدود، والعنصران هما اللذان يتكفلان بصوغ بنية الجملة الحملية وبنائها.
المعجم: وينقسم إلى قسمين من المعارف:
· معرفة مجموعة من المفردات الأصول التي يتعلمها المتكلم السامع تعلما كما هي قبل استعمالها، مثل: ما هو من باب (فعَل، فعِل، فعُل، وفعلل)؛ أي الأفعال المجردة من الثلاثي والرباعي.
· معرفة نسق من قواعد الاشتقاق تمكنه من تكوين مفردات جديدة لم يسبق له أن سمعها أو استعملها انطلاقا من المفردات الأصول المتعلّمة، مثل اشتقاق ما كان من باب (فَاعَلَ، أفْعَلَ، فَعَّلَ، افْتَعَلَ...) من الفعل الثلاثي وهذا يسمى اشتقاق مباشر، وهناك اشتقاق غير مباشر مثل ما كان من باب (تَفَاعَلَ، تَفَعَّلَ...)؛ لأنها مشتقة من غير الأصول.
وعلى هذا يرى المتوكل بأن هذا المعجم هو الذي يتولى تزويد المتكلم بالأطر الحملية، والحدود الأصول([39])، وبالتالي فالأطر الحملية نوعان؛ أطر حملية أصلية، وأطر حملية مشتقة.([40])
قواعد تكوين المحمولات والحدود: يقصد بها الطريقة التي يتم بها الاشتقاق، ويجب أن تتوفر فيها خاصيتان هما:
· الربط بين مفردات متواردة تزامنيا؛ أي في المرحلة نفسها من مراحل تطور اللغة.
· أن تكون المفردات الناتجة عنها مجموعة غير محصورة العناصر؛ أي أن تكون قاعدة منتِجة.
إذن فناتج المعجم وقواعد التكوين إطار حملي يمثل للخصائص الدلالية، وهذا الإطار الحملي هو المصدر لبناء البنية الحملية التامة التحديد التي تتم عبر المراحل الآتية:
1. البنية الدلالية للجملة: تقوم على:
محمول يدل على واقعة مثل: (عمل: "شرب زيد اللبن"، أو حدث: "فتحت الريح الباب"، أو وضع: "جلس خالد على الكرسي"، أو حالة: "فرح الولد بلعبة العيد")، ويدخل في هذه المحمولات المشتقات (الأسماء).
عدد من الحدود تدل على الذوات المشاركة في الواقعة الدال عليها في المحمول، وهي بدورها صنفان:
حدود موضوعات تسهم في تعريف الواقعة ذاتها (الحد المنفِّذ، والحد المتقبَّل، والحد المستقبِل)؛ وعليه فجملة "شرب زيد اللبن" تشتمل على حدين؛ المحمول الفعلي: (شرب)، الحدان: المنفذ (زيد)، والمتقبل (اللبن)، وقد يكون للمحمول ثلاثة حدود موضوعات، كما في الجملة: "أعطى الغني الفقير ثوبا"؛ المحمول الفعلي: (أعطى)، الحدود: المنفذ (الغني)، المستقبل (الفقير)، المتقبل (الثوب).
حدود لواحق لا يتعدى دورها تخصيص الواقعة من حيث الزمان والمكان والحال، كما في الجملة الآتية: "أعطى خالد محمدا كتابا اليوم أمام المكتبة"؛ المحمول الفعلي: (أعطى)، والحدود الموضوعات: المنفذ (خالد)، المستقبل (محمدا)، المتقبل (كتابا)، الحدود اللواحق: مخصص زماني (اليوم)، مخصص مكاني (أمام المكتبة).
وعليه فالبنية العامة للحمل في النحو الوظيفي تقوم على: محمول، وحدود موضوعات، وحدود لواحق، وعلى ما سبق فإن المحمولات تصنف إلى: محمولات أحادية (ذات موضوع واحد)، محمولات ثنائية (ذات موضوعين)، محمولات ثلاثية (ذات ثلاثة موضوعات).
إذا كان المحمول لا يتضمن إلا حدود موضوعات فإنه إطار حملي نووي، وإذا اشتمل على حدود موضوعات، وحدود لواحق كان إطارا حمليا موسعا([41]).
2. قواعد إدماج الحدود: وتتم بانتقاء من بين المداخل المعجمية الممثّل لها في المعجم، أو الناتجة عن قاعدة تكوين الحد الملائم فيدمج في الحد المعدّ له، فينتج لنا البنية الحملية الجزئية.
3. بنية حملية تامة التحديد: تتم عن طريق؛ قواعد تحديد مخصص المحمول من صيغة (التدليل).
وجهة (تامة، غير تامة، مستمرة، غير مستمرة، مشروع فيها، مقاربة).
وزمن ( ماض، وحاضر، ومستقبل)([42])
وقواعد تحديد مخصصات الحدود وهي؛ التعريف، والتنكير، والعدد، والإشارة، والجنس([43]).
وبتطبيق قواعد تحديد مخصص المحمول، ومخصصات الحدود نحصل على بنية حملية تامة التحديد.
ثانيا: البنية الوظيفية: وفيها تتمثل الخصائص الوظيفية بنقل البنية الحملية التامة التحديد إلى بنية وظيفية عن طريق تطبيق مجموعتين من القواعد؛ قواعد إسناد الوظائف، وقواعد تحديد مخصص الحمل.
لكن قبل ذلك علينا أن نعرف ما معنى الوظيفة في النحو الوظيفي؟
لقد واكب استعمال مصطلح الوظيفة مفاهيم مختلفة، ويمكن إرجاع هذه المفاهيم إلى مفهومين اثنين؛ الوظيفة كعلاقة، والوظيفة كدور.
الوظيفة العلاقة: المقصود به العلاقة القائمة بين مكونين أو مكونات في المركب الإسمي أو الجملة، وهذا المصطلح بهذا المعنى متداول بين جل الأنحاء مع اختلاف من نحو إلى آخر، وتكون الوظائف علاقات مشتقة حين يتم تحديدها على أساس موقع المكوّنات داخل بنية تركيبية معينة([44]).
الوظيفة الدور: ويقصد به الغرض الذي تسخر الكائنات البشرية اللغات الطبيعية من أجل تحقيقه.
ومما سبق نجد أن مفهومي الوظيفة كعلاقة وكدور متباينان؛ حيث أن العلاقة هي رابط بنيوي قائم بين مكونات الجملة أو مكونات المركب، في حين أن الدور يخص اللغة بوصفها نسقا كاملا، إلا أن هذا التباين لا يلغي ترابطهما من حيث أن وظيفة اللغة تحقيق التواصل بين مستعمليها تضاف إليها الوظائف التركيبية والدلالية وظائف أخرى، كما يغلب أن تتخذ الوظائف وضع وظائف أولى غير مشتقة([45]).
المحاضرة 10 /11 :
بنية الجملة وأنماطها في النحو الوظيفي
يرى النحو الوظيفي أن بنية الجملة هي البنية الأساس، وأن بنية النص ليست إلا إسقاطا لبنية الجملة، ويرى سيمون ديك أن النحو الوظيفي لا يمكن أن يكون نحو جملة؛ وذلك نظرا لتوجهه الوظيفي التداولي، ومن هنا فهو نحو خطاب واصفا ومفسرا للملفوظ والمكتوب اللغويين([46])؛ فالنحو الوظيفي لا ينظر إلى الجملة إلا بوصفها مرحلة عملية أولية تسبق النص وتمهد له، وعلى هذا فقد أشار ديك إلى الانتقال بالنحو الوظيفي من نحو الجملة إلى نحو النص، ويقوم مشروع النحو الوظيفي النصي على مرتكزات أهمها:
· التواصل بين مستعملي اللغة الطبيعية لا يتم عن طريق جمل منفردة، وإنما يتم بواسطة نصوص كاملة.
· النص ليس سلسلة اعتباطية من الجمل المرصوف بعضها جانب بعض، وإنما هو مجموعة من الجمل البسيطة والمركبة تشكل وحدة تواصلية تربط بينها قوانين الاتساق.
· البنية الداخلية للجملة يحددها النص الذي ترد فيه؛ لأن بنية النص لا تختلف عن بنية الجملة بل تناظرها، فكل منهما تتضمن مستويين؛ المستوى العلاقي وفيه طبقتان؛ طبقة إنجازية، وطبقة وجه، والمستوى التمثيلي وفيه ثلاث طبقات؛ طبقة التأطير، وطبقة التسوير، وطبقة الوصف، كما أن للنص نواة([47]) فإن للجملة نواة([48]) كذلك.
النص كالجملة ينقسم إلى وحدات ووحداته عبارة عن قطع وقطع فرعية وفقرات، تقوم بين وحدات النص علاقات يحددها نمط النص فهي تناظر العلاقات القائمة بين وحدات الجملة وتقوم بالأدوار التي تقوم بها الحدود في الجملة.
أنواع الجمل في النحو الوظيفي:
الجمل في النحو الوظيفي نوعان؛ وذلك بحسب عدد الحمول التي تتضمنها وتحتويها.
الجملة البسيطة: وهي الجمل التي تحمل حملا واحدا، وقد سبقت الإشارة إليها.
الجملة المركبة: وهي الجملة المتضمنة لأكثر من حمل واحد([49])، وبحسب ترابط الحمول التي تتضمنها يمكن تقسيم الجمل المركبة إلى؛ جمل مستقلة، وجمل مدمجة.
أنماط الجمل في النحو الوظيفي:
الجمل المدمجة: وهي التي يشكل فيها كل حمل حدا موضوعا أو لاحقا بالنظر إلى الحمل الرئيسي، مثل: بلغني أنك مسافر/ يتمنى خالد أن يعود أخوه من السفر.
فالجملة الأولى تتضمن حملين؛ الحمل الأول (بلغني)، والحمل الثاني (أنك مسافر)، وكذلك الأمر مع الجملة الثانية حيث أن (يتمنى خالد) الحمل الأول، بينما (أن يعود أخوه من السفر) الحمل الثاني.
وعليه فإن الحمل الثاني من الجملتين أخذ مكان حد من الحدود، وبالتالي فهو يأخذ وظيفة من الوظائف الثلاثة المعروفة لدينا (دلالية، تركيبية، تداولية)؛ وعلى هذا يصبح لدينا في الجمل المدمجة حمل رئيسي، وحمل مدمج.
تنقسم الحمول المدمجة إلى حمول تشكل حدودا، وحمول تشكل أجزاء للحدود، مثل: قرأت الكتاب الذي أعرتني بالأمس.
فالحمل المدمج (أن يعود أخوه من السفر) يشكل حد المفعول بالنسبة للمحمول الرئيسي، والحمل المدمج (الذي أعرتني بالأمس) يشكل جزء من حد المفعول.
الحمول الحدود تنقسم بدورها إلى حمول موضوعات، وحمول لواحق، مثل:تمنيتُ أن تنجح في امتحان.
فالحمل المدمج (أن تنجح في الامتحان) حد موضوع بالنسبة للحمل الرئيسي، بينما الحمل المدمج (أن تغرب الشمسُ) حد لاحق بالنسبة للحمل الرئيسي([50]).
الجمل غير المدمجة (المستقلة): وهي التي تتضمن حمولا لا تشكل حدودا بالنسبة للحمل الرئيسي، فهي مستقلة عن بعضها البعض([51]).
ويمثل هذا النوع من الجمل في النحو الوظيفي؛ الحمول الاعتراضية، والحمول المتعاطفة، المتضمنة لحمل مبتدأ، والمتضمنة لذيل، مثل:
قال الله تعالى: وأن تصوموا خير لكم /قال رسول الله ﷺ بني الإسلام على خمس.../ قام عمر وأغلق باب الغرفة.
الحمول الموصولية: هي التي تشكل جزء من حدود أو حدا من حدود الحمل الرئيسي، وتنقسم إلى قسمين؛ مدمجة؛ وهي نمطان؛ حمول موصولية حرة، وحمول موصولية تقييدية، ومستقلة (غير مدمجة)؛ وهي حمول موصولية غير تقييدية([52]).
الحمول الموصولية الحرة: هي التي تشكل حدا من حدود الحمل المدمجة فيه؛ وهي التي لا رأس لها (مركب اسمي)؛ فقد تكون فاعلا، أو مفعولا، كما في الجمل الآتية: وقع الذي تمنيت أن يقع. / قابلت من كنت انتظر.
الحمول الموصولية التقييدية: وهي الحمل الذي يكون مدمجا في الحمل الرئيسي ذات الرأس (المركب الاسمي)؛ فهي تشكل مقيِّدا داخل حد من حدود الجملة التي تتضمنها، مثل: جاء الرجل الذي انتظرته. ساءتني اللهجة التي خاطب بها زيد أباه.
الجملة الموصولية غير التقييدية: وهي الحمل الذي يمتاز بالاستقلال بالنظر إلى الحمل الرئيسي؛ فهي تشكل فعلا خطابيا مستقلا، وبالتالي فهي غير خاضعة للقوة الإنجازية التي خضع لها الحمل الرئيسي([53])؛ فقد تكون جملة بدلية، أو ذيلا، مثل:
سُرَّ الطالب، الذي نجح في امتحان التخرج.
زرت محمدا، الذي نجح في الامتحان الأخير.
المحاضرة12 : الوظائف التركيبية في نظرية النحو الوظيفي
الوظائف في النحو الوظيفي ثلاثة أنواع:تركيبية ودلالية وتداولية
وظائف تركيبية: وتشمل هذه الوظائف على وظيفتين هما؛ (فاعل، مفعول)، ويتم إسناد هاتين الوظيفتين إلى الحدود في الجملة وفق سلمية الوظائف الدلالية، وهي مفاهيم غير كلية بمعنى أنها غير واردة في كل اللغات الطبيعية.
يكون الحمل دالا على واقعة وعدد من الحدود المشاركين في الواقعة، وتنطلق الواقعة من وجهة معينة لتنتقي الحدود لتكون إما منظورا رئيسيا، أو منظورا ثانويا، وإلى الحدين تسند الوظيفتان التركيبيتان (الفاعل)، و(المفعول)، وتبقى الحدود غير الوجهية دون وظيفة تركيبية([54])، وهي ترمز إلى الوجهة المعتمدة في تقديم الواقعة، كما في الجملتين الآتيتين:
ناقش الأستاذ أطروحته هذا المساء في المدرج./ نوقشت أطروحةٌ هذا المساء في المدرج.
ويرتبط إسناد الوظيفتين الفاعل والمفعول بنوع الوظائف الدلالية التي تحملها حدود البنية الحملية([55])، وعلى هذا تكون الوظيفتان التركيبيتان الفاعل والمفعول في النحو الوظيفي على الشكل الآتي:
وظيفة الفاعل تسند إلى الحد الذي يشكل المنظور الرئيسي للوجهة التي تقدم انطلاقا منها الواقعة الدال عليها محمول الحمل([56]). ومن هنا فوظيفة الفاعل تسند إلى الوظيفة الدلالية المنفذ، والمستقبل، والمتقبل([57]).
أما الوظيفة المفعول فتسند إلى الحد الذي يشكل المنظور الثانوي للوجهة التي تقدم انطلاقا من الواقعة الدال عليها محمول الحمل([58]). ومنه فوظيفة المفعول في تسند إلى الوظائف الدلالية الآتية المتقبل والمستقبل([59]).
المحاضرة 13: الوظائف الدلالية في نظرية النحو الوظيفي
يقصد بالوظائف دلالية في النحو الوظيفي الأدوار التي يأخذها كل محل من محلات الموضوعات بالنسبة للواقعة التي يدل عليها المحمول([60])
وتشتمل على الوظائف الآتية؛ (المنفذ، المتقبل، المستقبل، الأداة، المكان، الزمان، الحال)،
وتستند إلى الإطار الحملي حيث يُحدَّد الموضوعُ دلاليا، ومن ثَمّ يأخذ وظيفته الدلالية، وعليه فهي تحدد دور موضوعات المحمول ولواحقه في الواقعة.
المحاضرة14 : الوظائف التداولية في نظرية النحوالوظيفي
وظائف تداولية: تنحصر الوظائف التداولية في النحو الوظيفي في خمس وظائف منها الخارجية (المبتدأ، والذيل، والمنادى)، وسميت بذلك لأنها تُسند إلى مكونات تتموقع خارج الجملة([61])، والداخلية (البؤرة، والمحور)، وهي علاقات تقوم بين مكونات الجملة على أساس المقام الذي تنجز فيه الجملة، بمعنى آخر فهي على أساس البنية الإخبارية المرتبطة بالمقام، وبالتالي فهي تُحدد وضع المكوّنات داخل البنية الإخبارية، فهي التي تقوم بتحديد العلاقات بين مكونات الجملة على حسب التواصل بين المتكلم والمخاطب، أو الوضع التخابري بينهما([62]).
الوظائف الداخلية:البؤرة: وهي المكوّن الحامل للمعلومة الأكثر أهمية أو الأكثر بروزا في الجملة([63])، أو التي يجهلها المخاطب أو يشك في صحتها أو ينكرها، وعلى هذا فهي نوعان؛ من حيث الطبيعة؛ بؤرة الجديد، وبؤرة المقابلة، ومن حيث المجال؛ بؤرة المكوّن، وبؤرة الجملة([64]).
المحور: وهو المكوّن الدال على المكوّن الذي يكون محط الحديث عنه في الجملة.([65])
الوظائف الخارجية: المبتدأ: هو ما يحدد مجال الخطاب الذي يعتبر الحمل بالنسبة إليه واردا([66])، مثل: (زيدٌ، قام أبوه)، الجملة تتكون من ركنين؛ حمل: (قام أبوه)، ومبتدأ: (زيد)، وهو الذي يحدد المجال الذي يعتبر إسناد مجموع الحمل إليه واردا؛ بمعنى أن يكون المبتدأ صالحا للإحالة على ما بعده، ويكون المخاطب قادرا على التعرف على ما يحيل إليه المبتدأ، فالإحالة على المجهول لا يفيد؛ فهو لحن تداولي([67]).
الذيل: هو الذي يوضّح معلومة داخل الحمل أو يعدّلها أو يصححها؛ فالذيل على هذا ثلاثة: ذيل توضيح، وذيل تعديل، وذيل تصحيح، ويكون ذلك وفقا طبقا لإنتاج الخطاب بحسب مقاماته، مثل:
أخوه مسافر، زيد.
نجح، الطالبان.
ساءني زيد، سلوكه.
قرأت الكتاب، نصفَه.
قابلت اليوم زيدا، بل عمرا.
يتضح من خلال الأمثلة السابقة أن المتكلم يعطي المخاطب كلاما ثم يدرك أنه ليس هو المقصود فيوضحه أو يعدله أو يصححه، ولهذا نرى في كل مثال فاصلة بين الذيل وما قبله.
المنادى: تسند وظيفة المنادى إلى المكوّن الدال على الكائن المنادى في مقام معين([68])؛ فهذه الوظيفة تسند إلى المكوّن الدال على الكائن المدعو([69])، مثل:
يا زيد، جاء الضيوف.
يجب أن نميز بين النداء كفعل لغوي، والمنادى كعلاقة ووظيفة التي يرتبط إسنادها بالمقام، فهما يتلازمان حيث ما وجد النداء (الفعل الكلامي) يوجد المنادى (الوظيفة).
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
- Teacher: نسيمة شمَــــام